المادة

التكبير

غرة ذي الحجة 1442 هـ
جمع: د.أحمد ديبان

الله أكبر ... الله أكبر ... الله أكبر.
يجب أن يصير عقيدة عندك وتعلم أن ربك أكبر
فإذا خفت فالأمن عند الأكبر
وإذا رغبت في قضاء الحاجة فاقصد الأكبر
وإذا توكلت فعلى الأكبر
وإذا سألت فالأكبر
‏وإذا طلبتَ ركناً تأوي إليه فالركن الشديد هو ركن الأكبر سبحانه
فإن كل كبير إذا أُضيف إلى الأكبر فإنه يتصاغر ويتضاءل حتى يصير لا شيء
فعلام إذن؟!
‏إذا نَزَلَ بِك ما يُخيفُك وما يشغَلُك وما يشوِشُ ذهنَك وما يغُم قَلبك دارت عينُك يمنةً ويَسْرة تبحثُ عن الكبراء وتغفل عن الاكبَر.
أنت تقول الله أكبر فاقصده لحاجتِك.
هو سبحانه وحده لا شريك له.
إذا كنت تعتمد على إنسان فتركك فاقصد من لا يتركك.
هذا الأكبر هو شارع لك بابه، ولم يسدل عليك حجابه، ولا أغلظ دونك بوابه، مهد لك وطاءه، و‏فتح لك بابه وناداك: عندك حاجة؟ أقبل، هل من داع؟، هل من مستغفر؟، هل من ...، هل من ...
ومهما كان لك من الحوائج لا يضجر منك ربك ولا يمل، ولا يقول سألتني في الصباح وتسألني في المساء! وسألتني أمس وقضيت لك هذه!
يفرح بك إذا دعوته، وأضجر منك إذا دعوتني، فتقصد أمثالي وتترك الأكبر!

نسأل الله ألا يُخلِيَنَا إلى أنفسنا وألا يكلنا إليها، نسأل الله تعالى أن يرزقنا العزة به.
هذا معنى الله أكبر ينبغي أن تكون عقيدة في القلوب، ليس كلاماً يُلاك بالألسن، لا حظ له من حياة الناس.

ولقد أحسن القائل:
" الله أكبرُ حين يأسى خافقٌ
والله من كلّ المخاوفِ أكبرُ "

كلمة "الله أكبر" كلمة عظيمة مباركة، فالله هو: "الكبيرُ الذي لا أكبرَ منه، الملكُ الذي كلُّ شيءٍ خاضِعٌ له. والتكبير إعلانٌ عن عظمَة الله، وإذعانٌ لكبريائِه في القلوب.

الله أكبر من كل شيءٍ ذاتًا وقُدرةً وقدرًا، وعزَّةً ومنعَةً وجلالاً، هذه المعاني العِظام تُعطِي المؤمنَ الثقةَ بالله وحُسن الظنِّ به، فلا تقِفُ في حياته العقَبَات، ولا يخافُ من مُستقبَل، ولا يتحسَّر على ما فات.

الله أكبر وأجلُّ وأرحَمُ من أن يترُك عبدَه المُتعلِّق به واللائِذَ بجنابِه، وكلما قوِيَ علمُ العبد ومعرفتُه بأن الله أكبر زادَت عنده الخشية والرَّهبة والتعظيم والمحبَّة وحُسن العبادة ولذَّة الطاعة، وعندها تُقبِلُ النفوسُ على طاعتِه، وتتوجَّهُ، وتحبُّه وتتوكَّلُ عليه.

ومما يستدعِي النظر، ويملأُ النفسَ ثقةً وطُمأنينةً: اقترانُ اسم العليِّ باسم الكبير، كما قال سبحانه في سورة الحج -: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾
وقال جل وعلا كما في سورة المؤمن-: ﴿ ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ﴾.
فهو العليُّ الكبير، لا مُعقِّب لحُكمه، يُعزُّ من يشاء، ويُذلُّ من يشاء، ويصطفِي من يشاء، عنَت له الوجوه، وذلَّت له الجِباه، وخضعَت له الرِّقاب، وتصاغَرَ عند كبريائِه كلُّ كبير.
وهذا الإيمانُ واليقينُ بكبرياء الله وعظمَته يجعلُ الألسِنةَ تلهَجُ بذكرِه وشُكره وحَمده والثناء عليه وتمجيده، وتقرعُ الجوارِح كلُّها لعظمَته عبادةً ومحبَّةً وتعظيمًا وإجلالاً وذُلاًّ وانكِسارًا.

الله أكبر هو صوتُ المعركة، يُطلِقُه المُجاهِدون في سبيل الله في ساح الوغَى، فيشعرُون بعزَّة الله وقوَّته وكبريائِه ومعيَّته، فيستمِدُّون منه القوةَ والثباتَ والإخلاصَ والعزَّة.

الله أكبر كلمةٌ صنعَت في تاريخ المُسلمين العجائِب، وبثَّت في أهلها من القوة ما استعلَوا فيه على كل كبيرٍ سِوى الله - عزَّ شأنُه -، تنطلِقُ من أفواه المُجاهدين وقلوبهم قويةً مُدويَّة، تتضاءَلُ أمامَها كبرياءُ كل مُتكبِّر، وعظمةُ كل مُتعاظِم، تعلُو على كل مظاهر الفساد والطُّغيان.

الله أكبر جُملةٌ عظيمةٌ حافِظةٌ، إذا سمِعها الشيطان تصاغَرَ وتحاقَرَ وخنَسَ، فكبرياءُ الجبَّار تقمَعُ انتِفاشَ الشيطان، وإذا تغوَّلت الغيلان فبادِروا بالتكبير.
فإن التكبيرَ ذِكرُ الجليل، وعبادةٌ عظيمةٌ، دعا الله عبادَه إليها ورغَّبَهم فيها، قال سبحانه كما في سورة المدثر: ﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾

بتكبير الله وتعظيمِه تُحلُّ الكُروب، وتزولُ الخُطوب، وتُرفعُ الهُموم، وتنقشِعُ الغُموم. بتكبير الله وتعظيمِه يصفُو العيش، ويُشفَى الداء.

يقولُ عُمر بن الخطاب رضي الله عنه : "قولُ العبد: الله أكبر خيرٌ من الدنيا وما فيها".

وصدق الله القائل: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً﴾

ومن قراءِ الصحابة المشهُورينَ بحسنِ الصوتِ المقرئُ الجليلُ مُعاذُ بنُ جبَل رضؤ الله عنه ؛ شهِدَ لهُ التابعيُّ اليمنيُّ المُخَضْرَمُ عمْرُو بنُ ميمونٍ؛ فقال [قدم علينا مُعَاذ رَسُولًا من عند النبي ﷺ مَعَ السحر، رافعًا صوته بالتكبير، وكان رجلًا حسن الصوت]

وهو - أعني التكبير- مشروعٌ في المواطِن الكِبار، والمواضِع العِظام، في الزمان والمكان والحال. مشروعٌ في كثرة الجُموع والمجامِع، وفي الجهاد، والنصر، والمغازي، استشعارًا لعظمة الفعل، واستِحضارًا لقوة الحال.

قال ابن تيمية رحمه الله كما نقل في مجموع الفتاوى (24/ 230): " ... التكبير مشروع في المواضع الكبار لكثرة الجَمْع، أو لعظمة الفعل، أو لقوة الحال، أو نحو ذلك من الأمور الكبيرة؛ ليبين أن الله أكبر وتستولي كبرياؤه في القلوب على كبرياء تلك الأمور الكبار فيكون الدين كله لله، ويكون العباد له مكبّرون فيحصل لهم مقصودان: مقصود العبادة بتكبير قلوبهم لله، ومقصود الاستعانة بانقياد سائر المطالب لكبريائه، ولهذا شرع التكبير على الهداية والرزق والنصر؛ لأن هذه الثلاث أكبر ما يطلُبُه العبدُ، وهي جِماعُ مصالِحه".

وقال ابن حجرٍ - رحمه الله - عن التكبير: "ذكرٌ مأثورٌ عند كل أمرٍ مهُول، وعند كل حادِثِ سُرورٍ، شُكرًا لله تعالى، وتبرئةً له من كل ما نَسَبَ إليه أعداؤُه"

إن من أعظم الأذكار التي يحبها الله - عز وجل - والتي شرعها في كتابه وسنة نبيه ﷺ : ذكره سبحانه بالتكبير ؛ وذلك بقول " الله أكبر " ولو تتبعنا المواطن التي شرع الله فيها هذا الذكر العظيم المحبوب لله تعالى وندب الناس إليه وحثهم عليه لوجدناها كثيرة جداً .

وقد جاء الحث على التكبير في مواطن كثيرة منها:

1- الصلاة:
إذ التكبير شعار الصلاة، شرع قبلها كاﻷذان واﻹقامة، وفيها: ابتداء من تكبيرة اﻹحرام، ثم عند كل رفع، وخفض، فيما عدا الرفع من الركوع، وشرع بعد الصلاة في التسبيحات، والمُصلُّون في صلاة الجماعة يُكبِّرون بعد تكبير الإمام في مُتابعةٍ، وانتِظامٍ دقيق، وفي الحديث: «فإذا كبَّر فكبِّروا»

أما الحكمة من التكبير في الصلاة، فقد قال العز بن عبد السلام رحمه الله كما في مقاصد الصلاة (ص 86): "ولما كان مقصود الصلاة الذكر، وجب أن يعرف قدر المذكور، وملاحظته ليلزم معه الأدب؛ فافتتحت بالتكبير الدال على الكبرياء؛ ليعلم لمن هو قائم وقاعد وراكع وساجد؛ ليخضع له خضوعا يجب مثله لكبريائه.
فإذا لاحظ كبرياءه لزم آداب الصلاة والطهارة والنظافة الظاهرة والباطنة، واشتغل بالله وحده، وأتت الإشارة بقوله ﷺ : "وفرغ قلبه لله"
وقوله ﷺ لما سئل عن الإحسان: "أن تعبد الله كأنك تراه"، ومن عبد الله كذلك خرج عن الأكوان، ولذلك شرع التكبير لله في جميع الانتقالات؛ لأن اشتغاله في أطوار الصلاة بملاحظة أذكارها قد شغله عن ملاحظة الكبرياء فشرع في ابتداء كل طور تجديد ملاحظة الكبرياء؛ ليوفي ذلك الطور حقه من الخضوع والخشوع".

2- التكبير عند رؤية الهلال:
أخرج الدارمي في مسنده (1729) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول اللّه ﷺ إذا رأى الهلال قال‏:‏ ‏«‏الله أكْبَرُ، اللَّهُمَّ أهِلَّهُ عَلَيْنا بالأمْنِ والإِيْمَانِ والسَّلامَةِ والإِسلامِ وَالتَّوْفِيقِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، رَبُّنا وَرَبُّكَ الله».

3- التكبير في عشر ذي الحجة الأولى:
أخرج الطبراني في المعجم الأوسط (7779) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : «ما أَهَلَّ مُهِلٌّ قَطُّ، ولا كبَّرَ مُكَبِّرٌ قَطُّ، إلَّا بُشِّرَ»، قيل: يا رسول الله بالجنَّة؟ قال: «نعم». قال المنذري: "إسناده رجال الصحيح".
وأخرج أحمد في مسنده (6154) عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله ﷺ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ الله وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ؛ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ والتحميد».
قال ابن حجر رحمه الله في الأمالي المطلقة (ص14): "هذا حديث حسن".

4- الحج :
فالتكبير أحد معالم الحج والعمرة وهو مشروع عند رمي الجمرات، وعند الصعود من منى إلى عرفات، وعند الطواف، وفوق الصفا والمروة، وغيرها من مواطن التكبير في المناسك.

5- التكبير في العيدين، عيد الفطر وعيد اﻷضحى.
والتكبير يكون في ليلة عيد الفطر حتى صلاة العيد.
وهذا التكبير يُشيرُ إلى معنى الهداية في قوله سبحانه: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ﴾
والتكبير في صلاتي العيدين؛ فقد أخرج أحمد في مسنده (6688) من حديث عَمرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه رضي الله عنه : "أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كبَّر في عيدٍ ثِنْتَيْ عَشْرةَ تَكبيرةً، سبعًا في الأولَى، وخمسًا في الآخرة، ولم يُصلِّ قَبلَها ولا بَعدَها"

6- التكبير عند ركوب الدابة، والخروج إلى السفر:
فقد كان ﷺ فيما أخرجه أبو داود في سننه (2602): إذا استوَى على ظهر الدابَّة قال: «الْحَمْدُ لله»، ثم قال: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ*وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ﴾ ثم قال: «الْحَمْدُ لله، الْحَمْدُ لله، الْحَمْدُ لله، الله أَكْبَرُ، الله أَكْبَرُ، الله أَكْبَرُ» ثم قال: «سُبْحَانَكَ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ»
وكان رسول الله ﷺ كما أخرج ذلك مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما (1342): "إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبَّر ثلاثاً..."

7- التكبير عند الصعود:
في صحيح البخاري (1797) ما يدل على أنه ﷺ كان إذا علا شرفاً - أي: المكان المرتفع - كبر. وكان يوصي بذلك أصحابه.
والمُسلم يستصحب التكبير في سفره، ويُكبِّرُ كلما صعد مرتفعا، مستشعرا معيَّة الله وعظمته وإحاطته وحفظه، ومتفكُّرًا في سعة الدنيا، وتباعُد أطرافها، وآفاقها.
وقد كان النبي ﷺ يُوصِي المُسافرَ بقوله: «عليك بتقوَى الله، والتكبير على كل شرَف»
أخرجه الترمذي في جامعه، (3445)، وابن ماجه في سننه، (2771).
والشرفُ هو المكان العالي. ويماثله صعود السلم أو الدرج أو المصعد.

8- التكبير عند الذبح:
عن أنس رضي الله عنه قال: "ضَحَّى رسول الله ﷺ بكبشين أملحين أقرنين. قال: ورأيته يذبحهما بيده. ورأيته واضعا قدمه على صِفاحِهما. قال: وسمى وكبر". وفي رواية: ويقول: "باسم الله، والله أكبر».
أخرجه مسلم في صحيحه، (1966).

9- التكبير عند سماع خبر مفرح، وبشارة خير:
وقد جاء في الحديث الطويل الذي أخرجه البخاري في صحيحه، (3348)، ومسلم في صحيحه، (222).: أَخْرِج بَعْثَ النار... مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِئَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ".
وفيه يروي أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "أبشروا، فإن منكم رجلا، ومن يأجوج ومأجوج ألفا، ثم قال: والذي نفسي بيده، إني أرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، فكبرنا، فقال: أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة، فكبرنا، فقال: أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، فكبرنا...".
وفي رواية: "... إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة، قال: فحمدنا الله وكبرنا.."

10- التكبير عند الحريق وعند عصف الريح:
أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه [ 9587 ] قال:
كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إذا عصفت الريح فدارت يقول: شدوا التكبير فإنها مذهبته.
ورُوِي مرفوعا: "إذا رأيتم الحريق، فكبروا، فإن التكبير يطفؤه"
قال السخاوي رحمه الله كما في المقاصد الحسنة (1/ 86): (63): "رواه الطبراني في الدعاء من حديث عبد الرحمن بن الحارث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا بهذا، وهو عند البيهقي في الدعوات من طريق كامل بن طلحة حدثنا ابن لهيعة حدثنا عمرو به بلفظ: استعينوا على إطفاء الحريق بالتكبير، وللطبراني في الدعاء، وفي الأوسط، من حديث أيوب بن نوح المطوَّعي حدثنا أبي حدثنا محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي المقبري عن أبي هريرة رفعه، بلفظ: أطفئوا الحريق بالتكبير، وقال: لم يروه عن ابن عجلان إلا نوح تفرد به ابنه، ويشهد له ما رواه ابن السني عن أنس وجابر رضي الله عنهما مرفوعا: إذا وقعت كبيرة أو هاجت ريح عظيمة فعليكم بالتكبير، فإنه يجلي العجاج الأسود". فالحديث لا ينزل عن درجة الحسن لشواهده.

11- التكبير عند التضرع في صلاة الاستسقاء:
روى الدارقطني في سننه (1800) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أنه يكبر فيها سبعا وخمسا كالعيد ويقرأ بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية.
قال ابن عبد البر رحمه الله كما في الاستذكار (2/ 428): "ابن عباس رضي الله عنهما رواه، وعَمِلَ بالتكبير كصلاة العيد".

12- التكبير حال حصول الكسوف والخسوف.
أخرج الإمام مسلم في صحيحه (2/ 618) عن عائشة رضي الله عنها، قالت: خسفت الشمس في عهد رسول الله ﷺ ، فقام رسول الله ﷺ يصلي، فأطال القيام جدا، ثم ركع، فأطال الركوع جدا، ثم رفع رأسه، فأطال القيام جدا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع جدا، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم قام، فأطال القيام، وهو دون القيام الأول، ثم ركع، فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول، ثم رفع رأسه، فقام فأطال القيام وهو دون القيام الأول، ثم ركع، فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم انصرف رسول الله ﷺ ، وقد تجلت الشمس، فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «إن الشمس والقمر من آيات الله، وإنهما لا ينخسفان لموت أحد، ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فكبروا ...» الحديث.

13- اﻷذان في أذن المولود اليمنى، والإقامة في اليسرى.
قال ابن القيم رحمه الله كما في تحفة المودود بأحكام المولود (ص31): "وسِرُّ التأذين وَاللهُ أعلم؛ أن يقرع سمعَ الإنسان كلماتُ النداء العلوي المتضمِّنة لكبرياء الرب وعظمته، والشهادة التي أوَّل ما يدخل بها في الإسلام؛ فكان ذلك كالتلقينِ له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا، كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها، وغير مستنكر وصول أثر التأذين إلى قلبه وتأثيره به وإن لم يشعر".

14- التكبير في الصلاة على الميت.
فهو يكبر أربع تكبيرات كما جاء في السنة النبوية عن المصطفى ﷺ.

15- وبالتكبير تُفتحُ أبوابُ السماء:
أخرج مسلم في صحيحه، (601) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: بينما نحنُ نُصلِّي مع رسولِ الله ﷺ ، إذ قال رجلٌ من القوم: الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بُكرةً وأصيلاً، فقال رسولُ الله ﷺ: «من القائلُ كذا وكذا؟»، فقال رجلٌ: أنا يا رسول الله، قال: «عجِبتُ لها، فُتِّحت لها أبوابُ السماء». قال ابنُ عمر رضي الله عنهما: "فما تركتُهنَّ منذ سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقولُ ذلك".

16- والإكثار من التكبير يملأ ما بين السماء واﻷرض:
فقد جاء في الحديث الذي أخرجه أحمد في مسنده (23073)، والترمذي في جامعه (3519): «التَّسْبِيحُ نِصْفُ المِيزَانِ، وَالْحَمْدُ يَمْلَؤُهُ، وَالتَّكْبِيرُ يَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ».

17- والتكبير من أذكار الباقِيات الصالِحات:
أحبّ الكلام إلى الله أربع: «سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ» أخرجه مسلم في صحيحه (2137).

18- التكبير عند النوم:
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّ فَاطِمَةَ رضي الله عنها أَتَتْ النَّبِيَّ ﷺ تَسْأَلُهُ خَادِمًا، فَقَالَ :(أَلَا أُخْبِرُكِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكِ مِنْهُ، تُسَبِّحِينَ اللَّهَ عِنْدَ مَنَامِكِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتَحْمَدِينَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتُكَبِّرِينَ اللَّهَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ)
فَمَا تَرَكْتُهَا بَعْدُ. قِيلَ: وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ؟ قَالَ: وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ)
رواه البخاري (5362)، ومسلم (2727)

19- وقد اسْتحبّ الإمامُ أحمد رحمه الله وغيره لِقارئ القُرآن
إذا ختمه: أن يُكبّر مِن سورة "الضّحى" إلى آخر القُرآن.
وصِفته: أن يقف بعد كل سورة ويقول: "الله أكبر"

ومِن بديع القِياس قول الحليمي رحمه الله:
لَمّا كان إكمال عِدّة صوم رمضان بالتكبير: قِسْنا عليه إكمال عِدّة السّور فيكبّر كذلك.

إن التكبير يدل على كبرياء الله ™، وتكراره في هذه المواطن بهذا العدد له أثر إيماني في حياة المسلم، والارتقاء بصاحبه إلى المنازل العالية، والدرجات الرفيعة.
فهو يجدد عهد الإيمان، ويقوي الميثاق الغليظ، والارتِباط بالله العليّ الكبير، وبالتكبير تطمئنُّ النفوسُ إذا اضطربَت، وتسكُنُ القلوبُ إذا احتارَت، وتنامُ العيونُ إذا سهِرَت.
فما أحرانا أن نواظب عليه في كل اﻷماكن التي يشرع فيها؛ فإن لذلك أثرا عظيما في الصلة مع الله سبحانه، والخضوع لعظمته وجلاله ™.

□ أما الحديث عن عشر ذي الحجة، وقد سبقت الإشارة إلى كونها من مواطن الإكثار من التكبير:
فقد قال أبو عثمان النهدي رحمه الله: كانوا يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأخير من رمضان وعشر ذي الحجة والعشر الأول من محرم .

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في قول الله: {وليال عشر}: أي عشر ذي الحجة؛ وقد روي ذلك عن ابن عباس، وابن الزبير رضي الله عنهما وحكى أبو موسى المديني اتفاق المفسرين على هذا رحمهم الله ورضي عنهم.
وقد نقل الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما كما في قوله تعالى: ‏{وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيامٍ مَعْلُومَات} قوله في هذه الأيام أنها: أيام العشر .

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: الغنيمة الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذه الأيام العظيمة أيام العشر من ذي الحجة، فما منها عِوض ولا لها قيمة .
وقال أيضا رحمه الله: ومن عجز عن الحج في عام؛ قدر في العشر على عمل يعمله في بيته؛ يكون أفضل من الجهاد .
وقال أيضا رحمه الله ما معناه: أفضل الأعمال ما كثر ذكر الله فيها، ويشرع للناس الإكثار من ذكر الله في أيام العشر خصوصاً لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: "فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد".
وقال أيضا رحمه الله: من المتأخرين من زعم أن ليالي عشر رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة لاشتمالها على ليلة القدر، وهذا بعيد جدا .

قال النووي رحمه الله: واعلم أنه يستحب الإكثار من الأذكار في عشر ذي الحجة زيادة على غيره، ويستحب من ذلك في يوم عرفة أكثر من باقي العشر .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيها، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج .

كان أبو هريرة وابن عمر رضي الله عنهما يأتيان السوق أيام العشر من ذي الحجة فيكبران ويكبر الناس معهما، ولا يأتيان السوق لشيء إلا لذلك .

ذكر أنه ‏ممن كان يصوم العشر: الحسن وابن سيرين وقتادة وغيرهم رحمهم الله. وأفضلية صومها هو قول أكثر العلماء عليهم رحمة الله.

"إن لم تستطع العمل الصالح؛ فدع عنك المحرمات" يروى عن الحسن البصري رحمه الله أنه قال: ما عبد العابدون بشيء أفضل من ترك ما نهاهم الله عنه .

قال أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود رحمه الله:
‏«لو أن رجلا جلس على ظهر الطريق ومعه خرقة فيها دنانير، لا يمر إنسان إلا أعطاه دينارا، وآخر إلى جانبه يكبر الله تعالى، لكان صاحب التكبير أعظم أجرا»
حلية الأولياء (٤/٢٠٤)

قال ميمون بن مهران رحمه الله (ت: 117هـ)ـ: "أدركت الناس وإنهم ليكبرون في العشر، حتى كنت أشبهه بالأمواج من كثرتها، ويقول: إن الناس قد نقصوا في تركهم التكبير".[فتح الباري لابن رجب]

□ صيغ التكبير الثابتة عن السلف.

١- " الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد "
قال ابن قدامة رحمه الله :
"وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأحمد واسحاق" رضي الله عنهم جميعا ورحمهم الله
[المغني (3/290) ] .
وممن اختار هذا القول من العلماء عليهم رحمة الله :
ابن تيمية [الفتاوى (24/220) ] .
والحافظ ابن رجب [لطائف المعارف (ص364) ] .
والشيخ الألباني [تمام المنة (ص356) ] .
والشيخ ابن عثيمين [الشرح الممتع (5/225) ] .

٢- " الله أكبر كبيراً ، الله أكبر كبيرا ، الله أكبر وأجل ، الله أكبر ولله الحمد " ، رويت عن ابن عباس رضي الله عنهما.
روى هذه الصيغة الدارقطني في سننه [(2/25) (1721) وابن أبي شيبة ١/٤٩٠
وصححه الألباني في الإرواء عليهم جميعا رحمة الله [(3/126)].

٣- " الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلا "
رواه البيهقي عن الشافعي في معرفة السنن (٥/١٠٩)، واختارها النووي في الأذكار عليهم جميعا رحمة الله. [الأذكار (ص202)].

٤- " الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، ولله الحمد "
روي عن ابن مسعود رضي الله عنه
[رواه ابن ابي شيبة في مصنفه (2/165)].

٥- " لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد"
قال الشوكاني رحمه الله:
"جاء عن عمر وابن مسعود" رضي الله عنهما وأرضاهما.
[نيل الأوطار (3/330) ] .
٦- " الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر "
وبه قال ابن عباس رضي الله عنهما، ومالك والشافعي رحمهما الله
[المغني (3/290].

٧- " الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً "
رواه البيهقي عن سلمان رضي الله عنه [السنن الكبرى (3/316)]، واختاره ابن حجر [فتح الباري (2/462)]، والشوكاني [نيل الأوطار (3/330)]
عليهما رحمة الله.

٨- " الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر وأجل، الله أكبر على ما هدانا "
رواه البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما [السنن الكبرى (3/315)]، وقال الألباني رحمه الله: سنده صحيح [الإرواء (3/125)].

الله أكبر ما أجل شعارنا*إنا نراه محببا مألوفا.

التعليقات : 0 تعليق

« إضافة تعليق »
إضافة تعليق
اسمك
ايميلك

/500
تعليقك
9 + 9 =
أدخل الناتج

9 + 9 =

/500

ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا، واجعل معونتك الحسنى لنا سندا، ولا تكلنا إلى تدبير أنفسنا فالعبد يعجز عن إصلاح ما فسدا ، ثبتني الله وإياكم على طاعته ومراضيه ، وجنبنا مساخطه ومناهيه ، وجعل مستقبل أيامنا خيرا من ماضيه ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه وتابعيه