المادة

رسائل عاشوراء

رسائل عاشوراء

"وذكرهم بأيام الله"
مما نستلهمه في يوم عاشوراء

(حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا...)
(ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض)
تعلقوا بالله. وتحققوا باليقين. وقولوا بلسان الحال والمقال (كلا إن معي ربي سيهدين)
(اذكروا نعمة الله عليكم) واحمدوه سبحانه في جميع أحوالكم

أسأل الله الحليم العظيم واسع الفضل ومستحق الشكر ومانح الأجر وملهم الصبر
أن يفتح لنا جميعا أبواب رحمته ومغفرته وعافيته وأن يحوطنا بحفظه وعنايته ورعايته إن ربي نعم المولى ونعم النصير.


-------

روى المنذري في الترغيب والترهيب بإسناد جيد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ: "ألا أُعلِّمُك الكلماتِ الَّتي تكلَّم بها موسَى عليه السَّلامُ حين جاوز البحرَ ببني إسرائيلَ؟ قلنا: بلى يا رسولَ اللهِ، قال قولوا: اللَّهمَّ لك الحمدُ وإليك المشتكَى وأنت المستعانُ ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ العليِّ العظيمِ.
قال عبدُ اللهِ فما تركتُهن منذ سمِعتُهنَّ من رسولِ اللهِ ﷺ.

وأخرج البيهقي في الدعوات الكبير، والطبراني في الأوسط عن ابن مسعود رضي الله عنه قال له النبي ﷺ: {ألا أعلمك الكلمات التي قالهن موسى عليه السلام حين انفلق البحر؟ قلت: بلى. قال: قل: اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان وبك المستغاث وعليك التكلان ولا حول ولا قوة إلا بك} حديث حسن بشواهده.

في مثل ليلة هذا اليوم ليلة عاشوراء أمر الله سبحانه وتعالى نبيه موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بالخروج ليلاً، {فأسر بعبادي ليلاً إنكم متبعون} فتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدواً، كما قال الله: {فأتبعوهم مشرقين} في الصباح الباكر تغيرت الأحوال، فنصر الله موسى عليه السلام، ونجاه ومن معه؛ بعد قولهم: {إنا لمدركون}، فقال لهم موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: {كلا إن معي ربي سيهدين}.

إنّ حُسن الظن بالله سببٌ لكل خير.

------

نبي الله موسى ﷺ أحد أولي العزم من الرسل، أوذي كثيرا وعالج قومه أشد المعالجة وصبر على ما لاقى منهم، نبي كريم اصطفاه ربه وكلمه وناداه وألقى عليه محبة منه، شفع لأخيه بالنبوة فمن الله بها عليه، آتاه الله آيات بينات، وأمنه مما يخاف، وفي تكرار قصته وتنوع أخبارها وأنبائها وذكر أحوال المكذبين من قومه عبر وعظات. ومما نستلهمه منها في مثل يومنا هذا الذي نجاه الله فيه ؛ أن من أراد الله أمرا له فإنه كائن لا محالة ولو كادته السماوات الأرض ومن فيهن، وأن من أحسن بالله الظن وملأ قلبه يقينا بعظمة وقدرة الله فقد استمطر أبواب التوفيق والغنى ممن بيده ملكوت كل شيء، وأن من أحبه الله قذف حبه في قلوب خلقه.

اللَّهمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَالعمَل الَّذِي يُبَلِّغُنا حُبَّكَ، اللَّهُمَّ اجْعل حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَينا مِن أنفسنا، وأَهْلينا، ومِن الماءِ البارِدِ.

------

تأمَّل حال الكليم موسى عليه وعلى نبينا الصلاة السلام، وما آلت إليه محنته وفتونه؛ مِن أول ولادته إلى منتهى أمره حتى كلمه الله تكليمًا، وقرَّبه منه، وكتب له التوراة بيده، ورفعه إلى أعلى السموات، واحتمل له ما لا يحتمل لغيره؛ فإنه رمى الألواح على الأرض حتى تكسرت، وأخذ بلحية نبي الله هارون وجره إليه، ولطم وجهَ ملَكِ الموت ففقأ عينه، وجادل ربه ليلة الإسراء في شأن رسول الله ﷺ، وربه يحبه على ذلك كله، ولا سقط شيء منه مِن عينه، ولا سقطت منزلته عنده، بل هو الوجيه عند الله القريب، ولولا ما تقدم له من السوابق وتحمُّل الشدائد والمحن العظام في الله ومقاساة الأمر الشديد بين فرعون وقومه ثم بني إسرائيل وما آذَوْه به وما صبر عليهم لله - لم يكُنْ ذلك.

اللهم اجعلنا مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا
------

نبي الله وكليمه موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، كلمه ربه واصطفاه، وآتاه آيات بينات، ومعجزات ظاهرات، أوذي فصبر، عالج قومه أشد المعالجة.

قال ربنا جل جلاله عنه ﴿وَلِتُصۡنَعَ عَلَىٰ عَیۡنِیۤ﴾ وقال ﴿وَٱصۡطَنَعۡتُكَ لِنَفۡسِی﴾

من صناعة الله له أن أذهب سبحانه منه الخوف من كل أحد إلا من الواحد الأحد جل وعلا حتى امتلأ قلبه يقينا بالله وعظمته.

لنتأمل كلامه سبحانه وتعالى:

﴿وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰۤ أُمِّ مُوسَىٰۤ أَنۡ أَرۡضِعِیهِ فَإِذَا خِفۡتِ عَلَیۡهِ فَأَلۡقِیهِ فِی ٱلۡیَمِّ وَلَا تَخَافِی وَلَا تَحۡزَنِیۤ﴾
﴿فَأَصۡبَحَ فِی ٱلۡمَدِینَةِ خَاۤئفࣰا یَتَرَقَّبُ﴾
﴿فَخَرَجَ مِنۡهَا خَاۤئفࣰا یَتَرَقَّبُ﴾
﴿فَلَمَّا جَاۤءَهُ وَقَصَّ عَلَیۡهِ ٱلۡقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفۡ﴾
﴿یَـٰمُوسَىٰۤ أَقۡبِلۡ وَلَا تَخَفۡ إِنَّكَ مِنَ ٱلۡـَٔامِنِینَ﴾
﴿یَـٰمُوسَىٰ لَا تَخَفۡ إِنِّی لَا یَخَافُ لَدَیَّ ٱلۡمُرۡسَلُونَ﴾
﴿خُذۡهَا وَلَا تَخَفۡ﴾
﴿فَأَخَافُ أَن یَقۡتُلُونِ﴾
﴿قَالَا رَبَّنَاۤ إِنَّنَا نَخَافُ أَن یَفۡرُطَ عَلَیۡنَاۤ أَوۡ أَن یَطۡغَىٰ﴾
﴿قَالَ لَا تَخَافَاۤ إِنَّنِی مَعَكُمَاۤ أَسۡمَعُ وَأَرَىٰ﴾
﴿فَأَوۡجَسَ فِی نَفۡسِهِ خِیفَةࣰ مُّوسَىٰ﴾
﴿قُلۡنَا لَا تَخَفۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡأَعۡلَىٰ﴾
﴿فَٱضۡرِبۡ لَهُمۡ طَرِیقࣰا فِی ٱلۡبَحۡرِ یَبَسࣰا لَّا تَخَـٰفُ دَرَكࣰا وَلَا تَخۡشَىٰ﴾
﴿قَالَ رَبِّ إِنِّیۤ أَخَافُ أَن یُكَذِّبُونِ﴾
﴿فَفَرَرۡتُ مِنكُمۡ لَمَّا خِفۡتُكُمۡ فَوَهَبَ لِی رَبِّی حُكۡمࣰا وَجَعَلَنِی مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِینَ﴾

وحينما يبلغ الإيمان ذروته، تنبثق تلك الثقة العظيمة بالله:

﴿فَلَمَّا تَرَ ٰ⁠ۤءَا ٱلۡجَمۡعَانِ قَالَ أَصۡحَـٰبُ مُوسَىٰۤ إِنَّا لَمُدۡرَكُونَ قَالَ كَلَّاۤ إِنَّ مَعِیَ رَبِّی سَیَهۡدِینِ فَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰ مُوسَىٰۤ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡبَحۡرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرۡقࣲ كَٱلطَّوۡدِ ٱلۡعَظِیمِ﴾

ومن كان الله معه فمن ذا يغلبه أو يناله بسوء؟

يا عالم السِرّ مِنّا لا تهتك الستر عنّا، وعافنا واعف عنّا، وكن معنا حيث كُنّا.

........

◇ عاشوراء ◇

(وذكرهم بأيام الله)
التذكير المثمر هو التذكير المحقق لسر الوصل، والمبشر بغد فصل، والذي يذكي في النفس جذوة الاعتبار، ويجلي أمامها الأسرار.

عاشوراء درس عظيم مفاده أن الشدائد لا تزيد الواثقين بربهم إلا يقيناً بقرب الفرج ونزول المدد وإذا جاء نصر الله وفرجه فلا تسل حينها عن جند ولا عن بحر.

عاشوراء تذكير بفضل الله الواصل إلى العباد عبر سياط المحن.

عاشوراء يوم يقول للظالم اخسأ فلن تعدو قدرك. ويقول للمظلوم لا تيأس فإن الله سيتولى أمرك.

عاشوراء رسالة لورثة فرعون في كل زمان ومكان أنه لا مفر لكم من بأس الله وأن وهم الكبرياء الذي يتلاعب بعقولكم زائل لا محالة.

عاشوراء بشارة لكل المظلومين والمضطهدين بأن الفرج يأتي ولو بعد حين وأن النصر ملازم لليقين.

عاشوراء صيحة تنادي: لا يأس فالفقاقيع تطفوا أحيانا ثم يمضينا، لا يأس فالريح لا تهوى سوى قمم الجبال، والورد لا يزدان إلا فوق أطراف التلال، لا يأس فالفجر يطلع رغم أشباح الظلام.

عاشوراء عقيدة تؤصل التعلق بالله واليقين به وترسم في قلب كل مسلم: (كلا إن معي ربي سيهدين ) (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)

اللهم إنا نسألك نفوسا مطمئنة تؤمن بلقائك وترضى بقضائك وتصبر على ابتلائك
اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله قوة لنا فيما تحب؛ وما زويت عنا مما نحب فاجعله فراغا لنا فيما تحب.

التعليقات : 0 تعليق

« إضافة تعليق »
إضافة تعليق
اسمك
ايميلك

/500
تعليقك
8 + 2 =
أدخل الناتج

8 + 2 =

/500

روابط ذات صلة

المادة السابق
المواد المتشابهة المادة التالي

جديد المواد

ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا، واجعل معونتك الحسنى لنا سندا، ولا تكلنا إلى تدبير أنفسنا فالعبد يعجز عن إصلاح ما فسدا ، ثبتني الله وإياكم على طاعته ومراضيه ، وجنبنا مساخطه ومناهيه ، وجعل مستقبل أيامنا خيرا من ماضيه ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه وتابعيه